لوركا- فـجـر الـبـنـادق
مسرحية شعرية
بغداد 1992
الشخصيات :
الشاعر : فيدير يكو غارثيا لوركا، الشاعر الأسباني.
المرأة : غرناطة.
موسكيتو : الفرح والبهجة ،(شخصية مستقاة من الفلكلور الأندلسي)
العجوز : الموت.
الكورس : نساء من الأندلس.
المشهد الاول
(مكان في غر ناطة ، الهزيع الأخير من الليل ، ريح قوية ، أصوات اجراس بعيدة، صوت نعيق بوم ،موسكيتو يتعثر في العتمة )
موسكيتو: اللعنة ……!،
يا لهذا النعيق!،
كأن صداه الرياح المدوّية.
يا لهذا النعيق والهزيع الأخير……..!؟
إيه يا غرناطة!
يا مدينة المسك والألم .. والغجر،
كأنّ عليك الليلة أن تفزعي
فزع ألف خنجر يرتعد في العتمة.
ما الذي أودى بالرياح
لأن تجنّ بين أجراسك المدويّة؟
(عاليا)
فيديريكو…….
هل تراني أستطيع الوصول إليك
وهذا الليل يمضي في خبله؟
(لنفسه)
كفّ عن ارتعادك يا موسكيتو
كان الأحرى بك أن تخفي في جعبتك
شيئا من البهجة لتبعثه في هذه الأبراج المرتعبة.
مالك ترتعد أكثر منها؟ الهي!
كأنني أحس بالأشباح تتقافز بين الزوايا
متى ينتهي هذا الليل الذي يكتم الأنفاس؟
ويهلّ الفجر؟
(يستحث نفسه)
تماسك يا موسكيتو
لا يصح أن يراك أحد على هذه الحال
أنك تسعى لتفرح الآخرين بينما ترتعد أوصالك خوفا
ثمّ ماذا؟
كيف يستطيع الساعي إلى الفرح
أن يتحاشى الخوف؟
موسكيتو تماسك
انطلق الساعة إلى فيديريكو
إذ ينتظرك هناك
على مقربة من عين الدمع حيث ولد
(عاليا)
فيديريكو ، أنا قادم إليك.
(يصطدم بالعجوز التي كانت قد دخلت قبل قليل)
العجوز : آه ، موسكيتو .
موسكيتو :(مرتعبا)
ياللشبح الملعون..من انت (يتعرف عليها)
أنت أيتها العجوز يا نذير الشؤم!!
لست أفاجأ إذ ألقاك الساعة.
العجوز : (تقهقه ملتذة)
سألت الريح عنك
ما أن سمعت باسمك حتى دفعتني إليك
بأذرعها المجنونة
موسكيتو: ما أتعسني
رحماك أيتها الرياح المزمجرة
كان الأولى بك أن تمطريني بالصواعق
ما رأيتك يوما أيتها العجوز
ألاّ وأنت تتشممين رائحة فريسة
لم تبحثين عني؟
أتراني الفريسة ؟.
العجوز : (هازئة)
أنت!
أبعد كل هذه الزهور التي تتمايل على الأرض
أبحث عن شوكة يابسة
أنت آخر من أفكر في البحث عنه
موسكيتو: حمدا لله
تنحي عن طريقي أذن
ودعيني أمضي لشأني
العجوز : ولكنك الليلة أولهم
موسكيتو: (مولولا)
يا ويلتي!، هل حانت ساعتي؟
العجوز : قلت أن لا شأن لي بك
موسكيتو: لكنك مع ذلك
تبحثين الليلة عني
العجوز : لأنها ليلتي
وفجرها غنيمتي
موسكيتو: منذ الغروب
والوجوه المصفرة تجوب الأزقة
وبين الأكفّ تختلج البنادق
فبأي فجر تنبئين وينبئون
العجوز : الغروب أنبأني أيتها الخرافة
بالغنيمة
هنالك عند الأفق المُحْمرّ
سقط قرص الشمس
وتدمّت أحراج البرتقال
الغروب دائما ينبئ عن فجره
موسكيتو: كفاك ألغازا وافصحي
يا عجوز
العجوز : أنت لا تفهم
وليس هذا بغريب عليك..الست تسمع الريح هذه ؟
ألا تسمع كل هذا الصراخ؟
صراخ يرعب من يبعث الرعدة
في الأوصال
موسكيتو : أنها تدوّي حسب
العجوز : بل تصرخ وتصيح
أنها الدروب السالكة إلى بئر عين الدمع
الريح تزمجر وتقول
الدروب تستعر
ما بين قرية فونتي باخيروس حيث ولد فدريكو ومابين بئر عين الدمع، حيث....
موسكيتو : ليت صاعقة تغيبك عن ناظري
أين عين الدمع عن فونتي باخيروس؟
العجوز : هل تذكر انك منذ زمان بعيد
كنت تبحث عني
مثلما الآن ابحث عنك
وجدتني وقد أفعمتك الفرحة العمياء
أرغمتني على الذهاب إلى فونتي باخيروس
لأشهد ولادة طفل ؟
موسكيتو : بلى أذكر
وكيف يمكن أن أنسى ذلك
العجوز : أومأت إلى الطفل مفاخرا
وقلت أن ابن كل الأشياء
قد ولد
موسكيتو: فيدير يكو هو ابن كل الأشياء
العجوز : فرحتي الآن لا يسعها قلب
لن يستطيع أن يتلمسها
إلا من كان دون قلب
(بانتشاء)
أنني أرغمك ألان
على الذهاب إلى عين الدمع
لترى غنيمتي
ابن كل الأشياء
(مقهقهة)
أية دورة قصيرة للزمان
موسكيتو: ألام تلمحين يا عجوز ؟
العجوز : أنت لا تفهم
وليس هذا غريب عليك
ألست ترى الدروب
يمزقها طرق الحد وات ووقع الخطوات
وهذا الهواء
إذ يرعبه صهيل الخيول
الست ترى لمعان البنادق
إذ يعمي العيون ؟
ابعد كل هذا تسأل عمّا يمكن أن يكون ؟
موسكيتو: ما لفديريكو وكل ذلك
العجوز : كلّه من أجله
موسكيتو: (مذعورا)
لا… فديريكو لا
العجوز: بل فديريكو نعم
هكذا تقول البنادق
موسكيتو: ياويلتاه ، يا لهذا النذير الراعب
ليس لك أن تمسيه يا عجوز
العجوز : كلا….
لن أمسه إلاّ بعد أن تمرح في صدره البنادق
انهم يبحثون الآن عنه في كل مكان
وما هي الآ هنيهات
حتى نجده بين أيديهم مكبلا
وصدره مشرع لأن تحرثه البنادق
موسكيتو: (عاليا)
لا….فيديريكو لا
العجوز : بل فيديريكو نعم
هكذا تقول البنادق
(يخرجان ،العجوز تضحك وموسكيتو يولول ، يدخل (الكورس)
الكورس: (انطلاقا من الجوانب)
أواه
ما أقسى الفجر في الساعة الخامسة!
والموت يفقس في الجراح
أواه
ما أقسى الخامسة
والجراح سعير يلتهب
فديريكو
يا بوح القرنفل
لعلك الآن تضع على عنقك ربطة
كأنها فراشة فزعة
أركض انطلق
البنادق تصطفّ في عين الدمع
من أجلك
بينما ترنو أنت حانيا إلى السماء
والنجم الذي يرشق النبل بالماء
أواه
يا للقسوة إذ تدق الخامسة
العنادل تجمعت في كروم الزيتون
والحساسين والغجر
موعدهم دقة الموت في الخامسة
أواه
ما أقسى الخامسة .
(إظلام)
المشهد الثاني
(الشاعر والمرأة في مكان آخر قرب غرناطة)
المرأة : أرح رأسك في حضني يا قمر الزيتون
الشاعر: كان ذلك حلما حسب….
نزف الغروب على يديّ
دم النار ، دم الذهب
نزّ على الأفق وأسطح المنازل
ما لمحت في العتمة الخانقة وجها
ولا شبحا
وغرناطة!
المرأة : غرناطتك
الشاعر: غرناطتي
الرياح فيها تدوّي
القياثر مقطعة الأوتار
مْوثَقة على جدران المنازل
كنت أتخبط في الظلمة وحيدا
ابحث عنك
المرأة : عني؟
الشاعر :أردت أن المح طرفا من عينيك
لتعود اليّ أنفاسي
غالبت فزعي
خلت أني انتهيت غفلة
دون أن أحس الشهقة الأخيرة
نظرت إلى كفيّ
كانتا دون أصابع!.
ذهلت….
وددت أن اصرخ
لكن صوتي كان قد غادرني أيضا
الهي
من أين للبيانو بأصابع مشرئبة لينوح
ليزحف مثل الثعابين
فوق الأسطر البيضاء والسوداء
أواه……يا لعطش الأصابع
المرأة : ثم
الشاعر: ثم تناهى قويا لأسماعي ضجيج مدوي
رفعت أنظاري نحو الأبراج
رأيت البيانو هناك معلقا بأوتاره
يتمايل ، يتمايل
وأصابعه تتساقط عنه
مثل أوراق الخريف .
ركضت كالمجنون على الطريق
أردت أن ألملم الأصابع ،
لكنها تناثرت بيضاء سوداء في الأزقة
تركتها وتسلقت السلالم إلى البيانو
كان عاريا دون أصابع
لكنني عند الزوايا وجدت أصابعي مغروسة في الجوانب
كانت الأجراس تدق
أصابعي تعزف
وقلب البيانو يخفق دون رحمة !
(الكورس يدخل من الجوانب)
الكورس : على الأبراج تدق الأجراس
أنغامها تنفرط
تتفتح في الرياح أزاهير صفراء
وعلى الدرب يسير المغني
المرأة : أي حلم كان ذاك ؟
الشاعر: بل أي نشيد كان ذاك
الكورس: على الدرب
نحو عين الدمع يسير المغني
مصفدا بورد البرتقال
انه يسير نحو عين الدمع
ذلك الموت المغني
الشاعر : أي نشيد كان ذاك
للموت المغني.
المرأة : لكنه حلم حسب
ولسنا نعرف عند أي منحنى للحلم نختلط بالأوهام
الشاعر: الغدير الذي يترقرق هناك
بين الكروم وفي قلبي
يحلم كذلك
المرأة: ها أنذا جنبك
وأنت جنبي
فدعنا نتدفق كالغدير
الشاعر: لن تموت الغدران في القلب
لوجفت ينابيعها
المرأة : فديريكو……
مالي أحس الليلة خاطرا ما ألفته
يهمّ بين جوانحك
الشاعر: ليتك ترين الصدع الذي تشكل في قلبي
الكورس: سود هي الخيول على الطرقات
سود هي الحدوات
فيديريكو انطلق
سود يأتونك عبر الرمال
رؤوسهم
قلاع مبهمة لصق الرقاب
فديريكو انطلق،اركض
الشاعر: يا لهذه المدينة التي تختلج !!
المرأة : يا لهذا القلب الذي يختلج!!
الكورس: غرناطة يا غرناطة
يا مدينة الألم والمسك والغجر
في الزوايا ترتفع الرايات
يتعالى على الرمال طرق الحدوات
أطفئي انوارك الخضراء
وزنري خصرك بالعتمة
غر ناطة……
يا مدينة تعصى على النسيان
ليتهم يتركونك بعيدا في البحر
بعيدا بعيدا ، صوب الرياح
المرأة : فيديريكو
يا بوح القرنفل
الخوف يجتاحني
يعمي بصيرتي…..
الشاعر: خضراء ، أريدك خضراء
تحت القمر الغجري….
المرأة والكورس: على الدرب
يسير الموت المغني
مصفدا بالبرتقال
انه يغني ويغني ويغني
خضراء….أريدك خضراء
الشاعر: أريدك خضراء
خضراء……
(يخلد الى حضن المرأة)
المرأة : يا ويلتي
إلآمَ يلمح فيديريكو
إلام يومئ هذا الفجر…؟
الكورس: الى هشيم الورد في عين الدمع
المرأة : إلامَ تلمحون؟
الكورس: لا
لا تسمر الخنجر في لحمه
انه يحفر القلب
مثل سكين محراث على ارض مجدبة
لا، لا تغرسه في لحمه
المرأة : فيدريكو الآن في حضني
الكورس: أنه هنا ، وهناك
فديريكو الآن في كل مكان
المرأة : لكنه الآن في حضني
الكورس: ها هنا
سوف تلتمع الفوهات
في أول الضياء
المرأة : ولكن
ما لفديريكو وحديث البنادق
الكورس: ما لها من حديث غيره
المرأة :(تترك الشاعر) فهل كانوا يبحثون عنه أذاً؟
الكورس: بلى
ومن أجله كانوا يجوبون الليل
المرأة : ما لفديريكو و حديث البنادق
لا،لا أريد أن أراه
ودمه على الرمل مُراق
الكورس: البدر ينظر عبر السماء
والزيتون على الرمال
يلعق الدم المراق .
المرأة : لا،لا
الكورس: التراب يصطفُ أكواما جنب الحفر
والضوء يولد ميتا
كالحجارة
المرأة : لا
لا أريد أن أراه
الكورس: كان يبحث عنك
عند مسيل النهر
لكنه لم يجد غير دماه
المرأة : لا تقولوا بأني سأراه
دفق يرش الزيتون!!
الكورس: الأمهات يرفعن الرؤوس إلى السماء
لكي لا يرينه
المرأة : البدر يناديهنّ
فمن يناديني ، لكي لا أراه
لا
لا أريد أن أرى الدماء
فما من إناء يلمها
ولا سنونوات لتشربها
الكورس: ها الرحلة تبدأ الى عين الدمع
الثيران تمضي إليها
السيوف والغجر والمطر
الأبراج والفراشات
المناديل والخيول
تماره وأمنون وال كومباريو
وداود الذي يقطع أوتاره.
المرأة : أواه يا أيها الفجر الوضاء
لو صرت طائراَ يخفق في السماء
بأي سهام كنت رميتك
(تعود إلى الشاعر،وتنحني عند رأسه)
فيدريكو
نم ....حلق، فالبحر أيضا ينام
(العجوز وموسكيتو يدخلان)
العجوز: ها ، ها هوذا
أنظر إليه يا فزّاعة
أنه ينام الآن كالطفل
جنب المرأة الفاتنة ذات الأبراج
دون أن يعلم بأن للخامسات دقة أخيرة
(موسكيتو صامت)
مالك سكتّ،أذهب أليه
أوقظه ، لعلك ستنقذه.
(موسكيتو في مكانه ، تقهقه العجوز)
دوري
يا دائرة الساعة الحالكة
اقرعي أجراسك يا غرناطة
موعدنا الآن دقة الموت في الخامسة.
(الكورس والمرأة وموسكيتو يتحلقون واجمين حول الشاعر)
أليّ
أليً يا أول الضياء،
أرعد ذيول الليل الآيل إلى الفناء
(صوت أجراس)
ها الخامسة تدقّ
الكورس: (مع المرأة وموسكيتو)
يا أسفي
على عنقك حديث العهد بالذبح
واأسفي
على جنبك المفتوح على وسعه
أعطيتنا بحرا من الشهيق
ولا نملك ألان أن نهبك
غير زفرة أخيرة
لكنك تدري
بأنك ابتدأت فينا عهد السنبلة.
عهد من الشهيق لزفرة أخيرة
فيدير يكو،إلى الأمام
نم، حلق أسترح
فالبحر أيضا ينام.
((يخرجون وقهقهات العجوز مستمرّة ، يبقى الشاعر لوحده))
(إظلام)
(النهاية)
* هذا النص مبني على الأجواء التي بثها الشاعر في قصائده
مسرحية شعرية
بغداد 1992
الشخصيات :
الشاعر : فيدير يكو غارثيا لوركا، الشاعر الأسباني.
المرأة : غرناطة.
موسكيتو : الفرح والبهجة ،(شخصية مستقاة من الفلكلور الأندلسي)
العجوز : الموت.
الكورس : نساء من الأندلس.
المشهد الاول
(مكان في غر ناطة ، الهزيع الأخير من الليل ، ريح قوية ، أصوات اجراس بعيدة، صوت نعيق بوم ،موسكيتو يتعثر في العتمة )
موسكيتو: اللعنة ……!،
يا لهذا النعيق!،
كأن صداه الرياح المدوّية.
يا لهذا النعيق والهزيع الأخير……..!؟
إيه يا غرناطة!
يا مدينة المسك والألم .. والغجر،
كأنّ عليك الليلة أن تفزعي
فزع ألف خنجر يرتعد في العتمة.
ما الذي أودى بالرياح
لأن تجنّ بين أجراسك المدويّة؟
(عاليا)
فيديريكو…….
هل تراني أستطيع الوصول إليك
وهذا الليل يمضي في خبله؟
(لنفسه)
كفّ عن ارتعادك يا موسكيتو
كان الأحرى بك أن تخفي في جعبتك
شيئا من البهجة لتبعثه في هذه الأبراج المرتعبة.
مالك ترتعد أكثر منها؟ الهي!
كأنني أحس بالأشباح تتقافز بين الزوايا
متى ينتهي هذا الليل الذي يكتم الأنفاس؟
ويهلّ الفجر؟
(يستحث نفسه)
تماسك يا موسكيتو
لا يصح أن يراك أحد على هذه الحال
أنك تسعى لتفرح الآخرين بينما ترتعد أوصالك خوفا
ثمّ ماذا؟
كيف يستطيع الساعي إلى الفرح
أن يتحاشى الخوف؟
موسكيتو تماسك
انطلق الساعة إلى فيديريكو
إذ ينتظرك هناك
على مقربة من عين الدمع حيث ولد
(عاليا)
فيديريكو ، أنا قادم إليك.
(يصطدم بالعجوز التي كانت قد دخلت قبل قليل)
العجوز : آه ، موسكيتو .
موسكيتو :(مرتعبا)
ياللشبح الملعون..من انت (يتعرف عليها)
أنت أيتها العجوز يا نذير الشؤم!!
لست أفاجأ إذ ألقاك الساعة.
العجوز : (تقهقه ملتذة)
سألت الريح عنك
ما أن سمعت باسمك حتى دفعتني إليك
بأذرعها المجنونة
موسكيتو: ما أتعسني
رحماك أيتها الرياح المزمجرة
كان الأولى بك أن تمطريني بالصواعق
ما رأيتك يوما أيتها العجوز
ألاّ وأنت تتشممين رائحة فريسة
لم تبحثين عني؟
أتراني الفريسة ؟.
العجوز : (هازئة)
أنت!
أبعد كل هذه الزهور التي تتمايل على الأرض
أبحث عن شوكة يابسة
أنت آخر من أفكر في البحث عنه
موسكيتو: حمدا لله
تنحي عن طريقي أذن
ودعيني أمضي لشأني
العجوز : ولكنك الليلة أولهم
موسكيتو: (مولولا)
يا ويلتي!، هل حانت ساعتي؟
العجوز : قلت أن لا شأن لي بك
موسكيتو: لكنك مع ذلك
تبحثين الليلة عني
العجوز : لأنها ليلتي
وفجرها غنيمتي
موسكيتو: منذ الغروب
والوجوه المصفرة تجوب الأزقة
وبين الأكفّ تختلج البنادق
فبأي فجر تنبئين وينبئون
العجوز : الغروب أنبأني أيتها الخرافة
بالغنيمة
هنالك عند الأفق المُحْمرّ
سقط قرص الشمس
وتدمّت أحراج البرتقال
الغروب دائما ينبئ عن فجره
موسكيتو: كفاك ألغازا وافصحي
يا عجوز
العجوز : أنت لا تفهم
وليس هذا بغريب عليك..الست تسمع الريح هذه ؟
ألا تسمع كل هذا الصراخ؟
صراخ يرعب من يبعث الرعدة
في الأوصال
موسكيتو : أنها تدوّي حسب
العجوز : بل تصرخ وتصيح
أنها الدروب السالكة إلى بئر عين الدمع
الريح تزمجر وتقول
الدروب تستعر
ما بين قرية فونتي باخيروس حيث ولد فدريكو ومابين بئر عين الدمع، حيث....
موسكيتو : ليت صاعقة تغيبك عن ناظري
أين عين الدمع عن فونتي باخيروس؟
العجوز : هل تذكر انك منذ زمان بعيد
كنت تبحث عني
مثلما الآن ابحث عنك
وجدتني وقد أفعمتك الفرحة العمياء
أرغمتني على الذهاب إلى فونتي باخيروس
لأشهد ولادة طفل ؟
موسكيتو : بلى أذكر
وكيف يمكن أن أنسى ذلك
العجوز : أومأت إلى الطفل مفاخرا
وقلت أن ابن كل الأشياء
قد ولد
موسكيتو: فيدير يكو هو ابن كل الأشياء
العجوز : فرحتي الآن لا يسعها قلب
لن يستطيع أن يتلمسها
إلا من كان دون قلب
(بانتشاء)
أنني أرغمك ألان
على الذهاب إلى عين الدمع
لترى غنيمتي
ابن كل الأشياء
(مقهقهة)
أية دورة قصيرة للزمان
موسكيتو: ألام تلمحين يا عجوز ؟
العجوز : أنت لا تفهم
وليس هذا غريب عليك
ألست ترى الدروب
يمزقها طرق الحد وات ووقع الخطوات
وهذا الهواء
إذ يرعبه صهيل الخيول
الست ترى لمعان البنادق
إذ يعمي العيون ؟
ابعد كل هذا تسأل عمّا يمكن أن يكون ؟
موسكيتو: ما لفديريكو وكل ذلك
العجوز : كلّه من أجله
موسكيتو: (مذعورا)
لا… فديريكو لا
العجوز: بل فديريكو نعم
هكذا تقول البنادق
موسكيتو: ياويلتاه ، يا لهذا النذير الراعب
ليس لك أن تمسيه يا عجوز
العجوز : كلا….
لن أمسه إلاّ بعد أن تمرح في صدره البنادق
انهم يبحثون الآن عنه في كل مكان
وما هي الآ هنيهات
حتى نجده بين أيديهم مكبلا
وصدره مشرع لأن تحرثه البنادق
موسكيتو: (عاليا)
لا….فيديريكو لا
العجوز : بل فيديريكو نعم
هكذا تقول البنادق
(يخرجان ،العجوز تضحك وموسكيتو يولول ، يدخل (الكورس)
الكورس: (انطلاقا من الجوانب)
أواه
ما أقسى الفجر في الساعة الخامسة!
والموت يفقس في الجراح
أواه
ما أقسى الخامسة
والجراح سعير يلتهب
فديريكو
يا بوح القرنفل
لعلك الآن تضع على عنقك ربطة
كأنها فراشة فزعة
أركض انطلق
البنادق تصطفّ في عين الدمع
من أجلك
بينما ترنو أنت حانيا إلى السماء
والنجم الذي يرشق النبل بالماء
أواه
يا للقسوة إذ تدق الخامسة
العنادل تجمعت في كروم الزيتون
والحساسين والغجر
موعدهم دقة الموت في الخامسة
أواه
ما أقسى الخامسة .
(إظلام)
المشهد الثاني
(الشاعر والمرأة في مكان آخر قرب غرناطة)
المرأة : أرح رأسك في حضني يا قمر الزيتون
الشاعر: كان ذلك حلما حسب….
نزف الغروب على يديّ
دم النار ، دم الذهب
نزّ على الأفق وأسطح المنازل
ما لمحت في العتمة الخانقة وجها
ولا شبحا
وغرناطة!
المرأة : غرناطتك
الشاعر: غرناطتي
الرياح فيها تدوّي
القياثر مقطعة الأوتار
مْوثَقة على جدران المنازل
كنت أتخبط في الظلمة وحيدا
ابحث عنك
المرأة : عني؟
الشاعر :أردت أن المح طرفا من عينيك
لتعود اليّ أنفاسي
غالبت فزعي
خلت أني انتهيت غفلة
دون أن أحس الشهقة الأخيرة
نظرت إلى كفيّ
كانتا دون أصابع!.
ذهلت….
وددت أن اصرخ
لكن صوتي كان قد غادرني أيضا
الهي
من أين للبيانو بأصابع مشرئبة لينوح
ليزحف مثل الثعابين
فوق الأسطر البيضاء والسوداء
أواه……يا لعطش الأصابع
المرأة : ثم
الشاعر: ثم تناهى قويا لأسماعي ضجيج مدوي
رفعت أنظاري نحو الأبراج
رأيت البيانو هناك معلقا بأوتاره
يتمايل ، يتمايل
وأصابعه تتساقط عنه
مثل أوراق الخريف .
ركضت كالمجنون على الطريق
أردت أن ألملم الأصابع ،
لكنها تناثرت بيضاء سوداء في الأزقة
تركتها وتسلقت السلالم إلى البيانو
كان عاريا دون أصابع
لكنني عند الزوايا وجدت أصابعي مغروسة في الجوانب
كانت الأجراس تدق
أصابعي تعزف
وقلب البيانو يخفق دون رحمة !
(الكورس يدخل من الجوانب)
الكورس : على الأبراج تدق الأجراس
أنغامها تنفرط
تتفتح في الرياح أزاهير صفراء
وعلى الدرب يسير المغني
المرأة : أي حلم كان ذاك ؟
الشاعر: بل أي نشيد كان ذاك
الكورس: على الدرب
نحو عين الدمع يسير المغني
مصفدا بورد البرتقال
انه يسير نحو عين الدمع
ذلك الموت المغني
الشاعر : أي نشيد كان ذاك
للموت المغني.
المرأة : لكنه حلم حسب
ولسنا نعرف عند أي منحنى للحلم نختلط بالأوهام
الشاعر: الغدير الذي يترقرق هناك
بين الكروم وفي قلبي
يحلم كذلك
المرأة: ها أنذا جنبك
وأنت جنبي
فدعنا نتدفق كالغدير
الشاعر: لن تموت الغدران في القلب
لوجفت ينابيعها
المرأة : فديريكو……
مالي أحس الليلة خاطرا ما ألفته
يهمّ بين جوانحك
الشاعر: ليتك ترين الصدع الذي تشكل في قلبي
الكورس: سود هي الخيول على الطرقات
سود هي الحدوات
فيديريكو انطلق
سود يأتونك عبر الرمال
رؤوسهم
قلاع مبهمة لصق الرقاب
فديريكو انطلق،اركض
الشاعر: يا لهذه المدينة التي تختلج !!
المرأة : يا لهذا القلب الذي يختلج!!
الكورس: غرناطة يا غرناطة
يا مدينة الألم والمسك والغجر
في الزوايا ترتفع الرايات
يتعالى على الرمال طرق الحدوات
أطفئي انوارك الخضراء
وزنري خصرك بالعتمة
غر ناطة……
يا مدينة تعصى على النسيان
ليتهم يتركونك بعيدا في البحر
بعيدا بعيدا ، صوب الرياح
المرأة : فيديريكو
يا بوح القرنفل
الخوف يجتاحني
يعمي بصيرتي…..
الشاعر: خضراء ، أريدك خضراء
تحت القمر الغجري….
المرأة والكورس: على الدرب
يسير الموت المغني
مصفدا بالبرتقال
انه يغني ويغني ويغني
خضراء….أريدك خضراء
الشاعر: أريدك خضراء
خضراء……
(يخلد الى حضن المرأة)
المرأة : يا ويلتي
إلآمَ يلمح فيديريكو
إلام يومئ هذا الفجر…؟
الكورس: الى هشيم الورد في عين الدمع
المرأة : إلامَ تلمحون؟
الكورس: لا
لا تسمر الخنجر في لحمه
انه يحفر القلب
مثل سكين محراث على ارض مجدبة
لا، لا تغرسه في لحمه
المرأة : فيدريكو الآن في حضني
الكورس: أنه هنا ، وهناك
فديريكو الآن في كل مكان
المرأة : لكنه الآن في حضني
الكورس: ها هنا
سوف تلتمع الفوهات
في أول الضياء
المرأة : ولكن
ما لفديريكو وحديث البنادق
الكورس: ما لها من حديث غيره
المرأة :(تترك الشاعر) فهل كانوا يبحثون عنه أذاً؟
الكورس: بلى
ومن أجله كانوا يجوبون الليل
المرأة : ما لفديريكو و حديث البنادق
لا،لا أريد أن أراه
ودمه على الرمل مُراق
الكورس: البدر ينظر عبر السماء
والزيتون على الرمال
يلعق الدم المراق .
المرأة : لا،لا
الكورس: التراب يصطفُ أكواما جنب الحفر
والضوء يولد ميتا
كالحجارة
المرأة : لا
لا أريد أن أراه
الكورس: كان يبحث عنك
عند مسيل النهر
لكنه لم يجد غير دماه
المرأة : لا تقولوا بأني سأراه
دفق يرش الزيتون!!
الكورس: الأمهات يرفعن الرؤوس إلى السماء
لكي لا يرينه
المرأة : البدر يناديهنّ
فمن يناديني ، لكي لا أراه
لا
لا أريد أن أرى الدماء
فما من إناء يلمها
ولا سنونوات لتشربها
الكورس: ها الرحلة تبدأ الى عين الدمع
الثيران تمضي إليها
السيوف والغجر والمطر
الأبراج والفراشات
المناديل والخيول
تماره وأمنون وال كومباريو
وداود الذي يقطع أوتاره.
المرأة : أواه يا أيها الفجر الوضاء
لو صرت طائراَ يخفق في السماء
بأي سهام كنت رميتك
(تعود إلى الشاعر،وتنحني عند رأسه)
فيدريكو
نم ....حلق، فالبحر أيضا ينام
(العجوز وموسكيتو يدخلان)
العجوز: ها ، ها هوذا
أنظر إليه يا فزّاعة
أنه ينام الآن كالطفل
جنب المرأة الفاتنة ذات الأبراج
دون أن يعلم بأن للخامسات دقة أخيرة
(موسكيتو صامت)
مالك سكتّ،أذهب أليه
أوقظه ، لعلك ستنقذه.
(موسكيتو في مكانه ، تقهقه العجوز)
دوري
يا دائرة الساعة الحالكة
اقرعي أجراسك يا غرناطة
موعدنا الآن دقة الموت في الخامسة.
(الكورس والمرأة وموسكيتو يتحلقون واجمين حول الشاعر)
أليّ
أليً يا أول الضياء،
أرعد ذيول الليل الآيل إلى الفناء
(صوت أجراس)
ها الخامسة تدقّ
الكورس: (مع المرأة وموسكيتو)
يا أسفي
على عنقك حديث العهد بالذبح
واأسفي
على جنبك المفتوح على وسعه
أعطيتنا بحرا من الشهيق
ولا نملك ألان أن نهبك
غير زفرة أخيرة
لكنك تدري
بأنك ابتدأت فينا عهد السنبلة.
عهد من الشهيق لزفرة أخيرة
فيدير يكو،إلى الأمام
نم، حلق أسترح
فالبحر أيضا ينام.
((يخرجون وقهقهات العجوز مستمرّة ، يبقى الشاعر لوحده))
(إظلام)
(النهاية)
* هذا النص مبني على الأجواء التي بثها الشاعر في قصائده
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق